الجمعة، 1 مارس 2013

دور المعلم من أجل النقل أم من أجل الفهم؟ وجهة نظر

ليلى معلمة علوم دخلت حديثا برنامج الماجستير وبدأت بالتعرف على التوجهات الحديثة في التعليم كالبنائية والتعليم من أجل الفهم. وقرأت الكثير من المقالات التي تبين الاثر السيئ للنموذج التقليدي الناقل للمعرفة بالاضافة لمعايشتها للنتائج السلبية لهذا النموذج. مما جعلها تقرر تبني التوجه الأول باقتناع. وانعكس ذلك على ممارساتها الصفية فحاولت تطبيق الكثير من الافكار الحديثة وتجنب النموذج التقليدي تماما في تدريسها، بل واحساسها بالذنب في أي موقف تعتبره نقلا للمعرفة. لا يمكن وصف الصعوبات والصراعات النفسية والمهنية التي واجهتها. وهي تفكر حاليا بالاستسلام والعودة للسباحة مع التيار. اليها ولمن يعاني مثلها أقول لحظة من فضلك!


    
ربما قرأت ليلي الفصل الأول من كتاب لاورن وأخرين (Loughran, J., Berry, A., & Mulhall, P. 2006) والذي تحدث  عن نموذجين للتعليم، النموذج الأول الشائع وهو التعليم من أجل النقل،  يكون فيه دور المعلم نقل المعرفة الى الطلاب بصفته صاحب المعرفة والعلم وتشكيل فهم الطلاب وفق فهمه، والنموذج الحديث الذي ما زال يشق طريقه وهو التعليم من اجل الفهم، حيث دور المعلم المساندة والمساعدة في فهم الطلاب للمحتوى والتشارك في التعلم من قبل المعلم والطلاب. 



هذا التصنيف للتعليم قد يقود أحيانا لسوء فهم كبير من وجهة نظري لدور المعلم نتيجة الفهم الحرفي. فأحيانا قد يقع القارئ ( مثل ليلى) في  مفاهيم خاطئة مفادها أن المعلم أمام نموذجين (models)  وعليه أن يختار، وان أحد النموذجين سيء والاخر جيد،  و ان النموذجين منفصلان ومتناقضان ولا يلتقيان، فدور المعلم اما ناقل واما مساعد على الفهم.  ومن واقع ممارستي للتعليم ومن خلال خبرتي كمتعلمة في المدارس والجامعات أرى أن النموذج البنائي لا يعني ان المعلم لن ينقل المعرفة للطلاب .


ان تخيل التعليم خاليا تماما من عملية النقل يعني أن كل جيل بل كل صف عليه اعادة اختراع العجلة. أحد اهم فوائد نقل المعرفة أنها تضع بين أيدينا خبرات وجهود الاجيال السابقة. والامر الثاني انها تشكل ما يسمى باللغة المشتركة بين الناس (Brady, 2008). هذه اللغة تختزل أفكار كبيرة في كلمات صغيرة . تخيل معي حجم المعلومات التي تتذكرها عندما تقرا كلمات مثل: الخلية، الاتزان الكيميائي، النسبية. 

ومن ناحية عملية اننا كمعلمين وكأولياء أمور نحتاج احيانا ان ننقل المعرفة كما هي للصغار دون تبرير أو شرح في مرحلة معينة حتى يمتلكوا نضجا كافيا لاستيعاب أسبابها ومبرراتها( كتصنيف الكائنات الحية  للصف الاول والثاني كما هي دون الدخول في تعقيداتها، أو تقديم الارشادات الصحية بتبريرات بسيطة)، كما اننا نحتاج  نقلها كما هي للبناء عليها والتفكير فيها.(تخيل أنك معلم ثانوية تطالب الطلاب بالتفكير في الكون دون "نقل" النظرية النسبية لاينشتاين)




المشكلة الحقيقة  هي أن يتحول التعليم كله لنقل المعرفة السابقة فقط لا غير. وان يحاسب الطلاب على مدى قدرتهم على استرجاع  ما نقل اليهم دون زيادة او نقصان. هذا التطرف في نقل المعرفة هو السبب في النقد السلبي والعنيف جدا تجاهه. وهو السبب في تدني المستوى التعليمي في الانظمة التعليمية التي تتبنى هذا التطرف.

 ان التعليم من اجل الفهم يعني أن يتعلم الطالب التفكير والتأمل في المعرفة التي نقلت اليها . ويتعلم كيف ينقدها ويفحصها ثم يقبلها او يرفضها  وفق منطق علمي . وتعني ان نفتح المجال للطلاب لاكتشاف وانتاج معرفة جديدة وعدم الاكتفاء بما نقل الينا. هي لا تعني ابدا أنني لن أحفظ الطلاب الشعر ( المنقول) بل سأعلمهم أيضا كيف يحللوه ويفهموه وكيف يكتبوا شعرا جديدا. انها لا تعني اني لن اطالب الطلاب بحفظ  بعض رموز وذرية العناصر الكيميائية ( المنقولة) بل ان عليهم أيضا فهم كيف ترتبط وتتفاعل مع بعضها وأن المستقبل مفتوح اما اكتشاف المزيد منها. انها لا تعني اني لن أنقل لهم التصور الحالي لعملية البناء الضوئي بل سأتحدى أيضا مفاهيمهم السابقة عند نقل هذه العملية و أساعدهم أن يفحصوها ويكتشفوا المزيد عنها. 

ان دور المعلم هم مزيج من المعرفة المنقولة ومن تعليم الطلاب طرق فهم و نقد المنقول وطرق الابداع و اكتشاف الجديد. ان هذا يوضح سبب اعتبار دور المعلم في النموذج البنائي اكثر تطلبا وارهاقا للمعلم. لان نقل المعرفة فقط سهل أما الأصعب فهو النقل بالاضافة للتعلم من أجل الفهم.
ومن أجل ليلى وزملائها المتحمسين للنموذج البنائي لا تشعروا بالذنب من اقتصار دوركم في بعض مراحل تعليم الطلاب على النقل فقط. لانها تشكل اسس تساعدكم في مرحلة أخرى على القيام بدوركم الثاني كمساعدين على الفهم . ومن المهم ادراك أن التحول الى النموذج البنائي لا يتم دفعة واحدة، فالامر يحتاج للتدرب بالنسبة للمعلمين والتدرج بالنسبة للطلاب لتخفيف حدة ردود الفعل المقاومة للتغير. ولن انسى نصيحة دكتور الحشوة الذي قال لنا: ابدأ التغيير بدرس أو وحدة، جرب فيها نفسك وجرب الطريقة، وراقب استجابة واستفادة طلابك، ثم تأمل وعدّل، ثم وسّع.



.Brady, M. (2008). Cover the Material-Or Teach Students to Think?. Educational Leadership65(5), 64.

Loughran, J., Berry, A., & Mulhall, P. (2012). Understanding and developing science teachers' pedagogical 
.content knowledge. Rotterdam (2nd ed), The Netherlands: Sense Publishers

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق